کد مطلب:90558 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:133
یَا لَهُ مَرَاماً مَا أَبْعَدَهُ، وَ زَوْراً مَا أَغْفَلَهُ، وَ خَطَراً مَا أَفْظَعَهُ، وَ حُطَاماً مَا أَفْزَعَهُ[2]. لَقَدِ اسْتَخْلَوْا مِنْهُمْ أَیَّ مُدَّكَرٍ[3]، وَ تَنَاوَشُوهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعیدٍ. أَ فَبِمَصَارِعِ آبَائِهِمْ یَفْخَرُونَ؟. أَمْ بِعَدیدِ الْهَلْكی یَتَكَاثَرُونَ؟. یَرْتَجِعُونَ مِنْهُمْ أَجْسَاداً خَوَتْ، وَ حَرَكَاتٍ سَكَنَتْ. وَ لأَنْ یَكُونُوا عِبَراً أَحَقُّ مِنْ أَنْ یَكُونُوا مُفْتَخَراً، وَ لأَنْ یَهْبِطُوا بِهِمْ جَنَابَ ذِلَّةٍ، أَحْجی مِنْ أَنْ یَقُومُوا بِهِمْ مَقَامَ عِزَّةٍ. لَقَدْ نَظَرُوا إِلَیْهِمْ بِأَبْصَارِ الْعَشْوَةِ، وَ ضَرَبُوا مِنْهُمْ فی غَمْرَةِ جَهَالَةٍ. وَ لَوِ اسْتَنْطَقُوا عَنْهُمْ عَرَصَاتِ تِلْكَ الدِّیَارِ الْخَاوِیَةِ، وَ الرُّبُوعِ[4] الْخَالِیَةِ، لَقَالَتْ: ذَهَبُوا فِی الأَرْضِ ضُلاَّلاً، وَ ذَهَبْتُمْ فی أَعْقَابِهِمْ جُهَّالاً، تَطَؤُونَ فی هَامِهِمْ، وَ تَسْتَنْبِتُونَ فی أَجْسَادِهِمْ، وَ تَرْتَعُونَ فیمَا لَفَظُوا، وَ تَسْكُنُونَ فیمَا خَرَّبُوا، وَ إِنَّمَا الأَیَّامُ فیمَا بَیْنَكُمْ وَ بَیْنَهُمْ بَوَاكٍ وَ نَوَائِحُ عَلَیْكُمْ. أُولئِكَ سَلَفُ غَایَتِكُمْ، وَ فَرَطُ[5] مَنَاهِلِكُمْ. اَلَّذینَ كَانَتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ الْعِزِّ، وَ حَلَبَاتُ[6] الْفَخْرِ، مُلُوكاً وَ سُوَقاً، سَلَكُوا فی بُطُونِ الْبَرْزَخِ[7] [صفحه 542] سَبیلاً، سُلِّطَتِ الأَرْضُ عَلَیْهِمْ فیهِ، فَأَكَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ، وَ شَرِبَتْ مِنْ دِمَائِهِمْ، فَأَصْبَحُوا فی فَجَوَاتِ قُبُورِهِمْ جَمَاداً لاَ یَنْمُونَ، وَ ضِمَاراً لاَ یُوجَدُونَ، لاَ یُفْزِعُهُمْ وُرُودُ الأَهْوَالِ، وَ لاَ یَحْزُنُهُمْ تَنَكُّرُ الأَحْوَالِ، وَ لاَ یَحْفِلُونَ بِالرَّوَاجِفِ، وَ لاَ یَأْذَنُونَ لِلْقَوَاصِفِ، غُیَّباً لاَ یُنْتَظَرُونَ، وَ شُهُوداً لاَ یَحْضُرُونَ. وَ إِنَّمَا كَانُوا جَمیعاً فَتَشَتَّتُوا، وَ أُلاَّفاً فَافْتَرَقُوا وَ مَا عَنْ طُولِ عَهْدِهِمْ، وَ لاَ بُعْدِ مَحَلِّهِمْ، عَمِیَتْ أَخْبَارُهُمْ، وَ صَمَّتْ دِیَارُهُمْ، وَ لكِنَّهُمْ سُقُوا كَأْساً بَدَّلَتْهُمْ بِالنُّطْقِ خَرَساً، وَ بِالسَّمْعِ صَمَماً، وَ بِالْحَرَكَاتِ سُكُوناً، فَكَأَنَّهُمْ فِی ارْتِجَالِ[8] الصِّفَةِ صَرْعی سُبَاتٍ. جیرَانٌ لاَ یَتَأَنَّسُونَ، وَ أَحِبَّاءُ لاَ یَتَزَاوَرُونَ، بَلِیَتْ بَیْنَهُمْ عُرَی التَّعَارُفِ، وَ انْقَطَعَتْ مِنْهُمْ أَسْبَابُ الإِخَاءِ، فَكُلُّهُمْ وَحیدٌ وَ هُمْ جَمیعٌ، وَ بِجَانِبِ الْهَجْرِ وَ هُمْ أَخِلاَّءُ. لاَ یَتَعَارَفُونَ لِلَیْلٍ صَبَاحاً، وَ لاَ لِنَهَارٍ مَسَاءً، أَیُّ الْجَدیدَیْنِ ظَعَنُوا فیهِ كَانَ عَلَیْهِمْ سَرْمَداً. شَاهَدُوا مِنْ أَخْطَارِ دَارِهِمْ أَفْظَعَ مِمَّا خَافُوا، وَ رَأَوْا مِنْ آیَاتِهَا أَعْظَمَ مِمَّا قَدَّرُوا، فَكِلْتَا الْغَایَتَیْنِ مُدَّتْ لَهُمْ إِلی مَبَاءَةٍ فَاتَتْ مَبَالِغَ الْخَوْفِ وَ الرَّجَاءِ. فَلَوْ كَانُوا یَنْطِقُونَ بِهَا لَعَیُّوا بِصِفَةِ مَا شَاهَدُوا وَ مَا عَایَنُوا. وَ لَئِنْ دَرَسَتْ[9] آثَارُهُمْ، وَ انْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُمْ، لَقَدْ رَجَعَتْ فیهِمْ أَبْصَارُ الْعِبَرِ، وَ سَمِعَتْ عَنْهُمْ آذَانُ الْعُقُولِ، وَ تَكَلَّمُوا مِنْ غَیْرِ جِهَاتِ النُّطْقِ، فَقَالُوا: كَلَحَتِ الْوُجُوهُ النَّوَاضِرُ، وَ خَوَتِ الأَجْسَادُ النَّوَاعِمُ، وَ لَبِسْنَا أَهْدَامَ الْبِلی، وَ تَكَاءَدْنَا ضیقَ الْمَضْجِعِ، وَ تَوَارَثْنَا الْوَحْشَةَ، وَ تَهَكَّمَتْ[10] عَلَیْنَا الرُّبُوعُ الصَّمُوتُ، فَانْمَحَتْ مَحَاسِنُ أَجْسَادِنَا، وَ تَنَكَّرَتْ مَعَارِفُ صُوَرِنَا، وَ طَالَتْ فی مَسَاكِنِ الْوَحْشَةِ إِقَامَتُنَا، وَ لَمْ نَجِدْ مِنْ كَرْبٍ فَرَجاً، وَ لاَ مِنْ ضیقٍ مُتَّسَعاً. فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ بِعَقْلِكَ، أَوْ كُشِفَ عَنْهُمْ مَحْجُوبُ الْغِطَاءِ لَكَ، وَ قَدِ ارْتَسَخَتْ أَسْمَاعُهُمْ بِالْهَوَامِّ فَاسْتَكَّتْ، وَ اكْتَحَلَتْ أَبْصَارُهُمْ بِالتُّرَابِ فَخَسَفَتْ، وَ تَقَطَّعَتِ الأَلْسِنَةُ فی أَفْوَاهِهِمْ بَعْدَ ذَلاَقَتِهَا، وَ هَمَدَتِ الْقُلُوبُ فی صُدُورِهِمْ بَعْدَ یَقْظَتِهَا، وَ عَاثَ فی كُلِّ جَارِحَةٍ مِنْهُمْ جَدیدُ بِلیً سَمَّجَهَا، وَ سَهَّلَ [صفحه 543] طُرُقَ الآفَةِ إِلَیْهَا، مُسْتَسْلِمَاتٌ فَلاَ أَیْدٍ تَدْفَعُ، وَ لاَ قُلُوبٌ تَجْزَعُ، لَرَأَیْتَ أَشْجَانَ قُلُوبٍ، وَ أَقْذَاءَ عُیُونٍ. لَهُمْ فی[11] كُلِّ فَظَاعَةٍ صِفَةُ حَالٍ لاَ تَنْتَقِلُ، وَ غَمْرَةٌ لاَ تَنْجَلی. فَكَمْ أَكَلَتِ الأَرْضُ مِنْ عَزیزِ جَسَدٍ، وَ أَنیقِ لَوْنٍ، كَانَ فِی الدُّنْیَا غَذِیَّ تَرَفٍ، وَ رَبیبَ شَرَفٍ، یَتَعَلَّلُ بِالسُّرُورِ فی سَاعَةِ حُزْنِهِ، وَ یَفْزَعُ إِلَی السَّلْوَةِ إِنْ مُصیبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ، ضَنّاً بِغَضَارَةِ عَیْشِهِ، وَ شَحَاحَةً بِلَهْوِهِ وَ لَعِبِهِ، فَبَیْنَا هُوَ یَضْحَكُ إِلَی الدُّنْیَا وَ تَضْحَكُ إِلَیْهِ فی ظِلِّ عَیْشٍ غَفُولٍ، إِذْ وَطِئَ الدَّهْرُ بِهِ حَسَكَهُ، وَ نَقَضَتِ الأَیَّامُ قُوَاهُ، وَ نَظَرَتْ إِلَیْهِ الْحُتُوفُ مِنْ كَثَبٍ، فَخَالَطَهُ بَثٌّ لاَ یَعْرِفُهُ، وَ نَجِیُّ هَمٍّ مَا كَانَ یَجِدُهُ، وَ تَوَلَّدَتْ فیهِ فَتَرَاتُ عِلَلٍ، آنَسَ مَا كَانَ بِصِحَّتِهِ، فَفَزِعَ إِلی مَا كَانَ عَوَّدَهُ الأَطِبَّاءُ مِنْ تَسْكینِ الْحَارِّ بِالْقَارِّ، وَ تَحْریكِ الْبَارِدِ بِالْحَارِّ، فَلَمْ یُطْفِئْ بِبَارِدٍ إِلاَّ ثَوَّرَ حَرَارَةً، وَ لاَ حَرَّكَ بِحَارٍّ إِلاَّ هَیَّجَ بُرُودَةً، وَ لاَ اعْتَدَلَ بِمُمَازِجٍ لِتِلْكَ الطَّبَائِعِ إِلاَّ مِنْهَا كُلَّ ذَاتِ دَاءٍ. حَتَّی فَتَرَ مُعَلِّلُهُ، وَ ذَهَلَ مُمَرِّضُهُ، وَ تَعَایَا أَهْلُهُ بِصِفَةِ دَائِهِ، وَ خَرِسُوا عَنْ جَوَابِ السَّائِلینَ عَنْهُ، وَ تَنَازَعُوا دُونَهُ شَجِیَّ خَبَرٍ یَكْتُمُونَهُ، فَقَائِلٌ یَقُولُ: هُوَ لِمَا بِهِ، وَ مُمَنٍّ لَهُمْ إِیَابَ عَافِیَتِهِ، وَ مُصَبِّرٌ لَهُمْ عَلی فَقْدِهِ، یُذَكِّرُهُمْ أَسَی الْمَاضینَ مِنْ قَبْلِهِ. فَبَیْنَا هُوَ كَذَلِكَ عَلی جَنَاحٍ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْیَا، وَ تَرْكِ الأَحِبَّةِ، إِذْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ غُصَصِهِ، فَتَحَیَّرَتْ نَوَافِذُ فِطْنَتِهِ، وَ یَبِسَتْ رُطُوبَةُ لِسَانِهِ، فَكَمْ مِنْ مُهِمٍّ مِنْ جَوَابِهِ عَرَفَهُ فَعَیَّ عَنْ رَدِّهِ، وَ دُعَاءٍ مُؤْلِمٍ لِقَلْبِهِ سَمِعَهُ فَتَصَامَّ عَنْهُ، مِنْ كَبیرٍ كَانَ یُعَظِّمُهُ، أَوْ صَغیرٍ كَانَ یَرْحَمُهُ. وَ إِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَرَاتٍ هِیَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَةٍ، أَوْ تَعْتَدِلَ عَلی عُقُولِ[12] أَهْلِ الدُّنْیَا.
.
صفحه 542، 543.